قضائية الفتوى والتشريع
قضائية الفتوى والتشريع

أولاً : في بيان نصوص الدستور المتعلقة بالفتوى والتشريع :

تنص المادة 169 من الدستور على أن (ينظم القانون الفصل في الخصومات الإدارية بواسطة غرفة أو محكمة خاصة .........).

وتنص المادة 170 على أن (يرتب القانون الهيئة التي تتولى إبداء الرأي القانوني للوزارات والمصالح العامة وتقوم بصياغة مشروعات القوانين واللوائح كما يرتب تمثيل الدولة وسائر الهيئات العامة أمام جهات القضاء).

وتنص المادة 171 على أن (يجوز بقانون إنشاء مجلس دولة يختص بوظائف القضاء الإداري والإفتاء المنصوص عليها في المادتين السابقتين) .

ومن المقرر أن النصوص القانونية التي تنظم موضوع معين لا يجوز فصلها عن بعضها باعتبار أنها تمثل فيما بينها وحدة عضوية تتكامل اجزاؤها وتتضافر معانيها وتتحد توجهاتها وأن كان لكل نص مضمون مستقل إلا أنه يتداخل مع باقي النصوص فلا ينعزل عنها لتكتمل صورة الموضوع في الأذهان.

ومؤدى النصوص سالفة الذكر أن الأعمال والجهات التي أسبغ المشرع الدستوري الوصف القضائي عليها هي الفصل في الخصومات والذي تمارسه المحاكم باختلاف أنواعها ودرجاتها. وكذلك الأعمال التي تؤديها إدارة الفتوى والتشريع وهي إبداء الرأي القانوني وصياغة مشروعات القوانين والتقاضي نيابة عن الدولة أمام القضاء. وتلك الدلالة لا تحتمل أي تأويل بل تؤكدها صراحة نص المادة 171 والتي أجازت إنشاء مجلس دولة يختص ويؤدي أعمال الفتوى والتشريع والمتعلقة بوظائف الإفتاء والصياغة والفصل في الخصومات الذي تمارسه المحاكم الإدارية , فقد جعل المشرع الدستوري كل من القضاء الإداري بدرجاته والإفتاء القانوني والصياغة التشريعية حبات ينتظمها عقد واحد وهو مجلس الدولة التي تشرئب الأعناق إلى بزوغه.

ومما يؤكد هذا النظر ويدعمه ورود النصوص التي تنظم المحاكم باختلاف درجاتها وإدارة الفتوى والتشريع بالإشارة إلى وظيفتها ومجلس الدولة المأمول إنشائه في الدستور في باب واحد تحت عنوان (السلطة القضائية) مما يكشف عنه فكر المشرع الدستوري في جعل كل هذه الجهات صنو بعضها البعض في إدارة العدالة وأنها جميعا خلايا في نسيج واحد.

ثانياً : في بيان أحكام المرسوم بقانون رقم 14/77 بشأن مرتبات ودرجات القضاة وأعضاء النيابة العامة وأعضاء الفتوى والتشريع والتي أكدت تماثل المراكز القانونية تطبيقا لأحكام الدستور من خلال إنشاء هذا الكادر القضائي لأكثر من 35 لسنة :

وانسجاماً مع أحكام الدستور فقد أصدر المشرع المرسوم بقانون رقم 14/1977م بشأن وحدة المعاملة "بين الهيئات القضائية" مرتبات ودرجات القضاة وأعضاء النيابة العامة وأعضاء الفتوى والتشريع فجاءت نصوصه محددة درجات ومرتبات العاملين بتلك الجهات وموحدا أداة تعيينهم وترقيتهم وشروطها ومقررا لهم مرتبات وبدلات وعلاوات متعادلة أخصها بدل سكن يتناسب مع وظائفهم , كما حدد القانون سن التقاعد بجعله سبعين عاما للعاملين في كل هذه الجهات.

وجاء في المذكرة الإيضاحية أن (واقع الحال ومتطلبات المصلحة العامة تقتضي الإسراع بتحسين الأوضاع المالية لهم ورفع مستواهم المادي بالشكل الذي يليق بهيبة السلطة القضائية ومكانتها ..... ومن ثم أعد القانون المرافق لتحقيق أهداف الإصلاح للعاملين في القضاء والنيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع).

ومؤدى ذلك أن المشرع في هذا القانون جاء بأحكام قاطعة في الدلالة على وحدة طبيعة تلك الوظائف التي تجمع بين العاملين في هذه الجهات فقرر المساواة فيما بينهم في الحقوق والواجبات وذلك تلبية لما سبق إليه المشرع الدستوري على نحو ما سبق.

ثالثاً : في بيان الأحكام القضائية التي تكفل المساواة بين جهات القضاء والنيابة العامة والفتوى والتشريع :

  • تعدد الأحكام القضائية التي كفلت وحدة التطبيق وضمان المساواة بين العاملين في تلك الجهات غير أن أهم تلك الأحكام هو ما قررته المحكمة الدستورية في حكمها الشهير رقم 5/2008 بجلسة 28/5/2008 وبعبارات لها بالغة الدلالة وعميق الأثر حيث قررت صراحة بأن (المشرع قد افرد للقضاء وأعضاء النيابة العامة وإدارة الفتوى والتشريع تنظيما خاص المخاطبين به ومن بينهم أعضاء الفتوى والتشريع وساوى في المعاملة بينهم في مختلف أوضاعهم الوظيفية وما يصاحبها من مزايا مادية أو عينية).
  • وهو حكم أكد قاعدة المساواة بين الجهات الثلاث في كل المزايا المالية والعينية بما لا محل معه للمجادلة في التفريق بينهم باعتبار أن الأحكام التي تصدرها المحكمة الدستورية وهي في قمة البنيان القضائي تضفي حماية قضائية لأطراف الحكم الصادر فيمتنع المساس بها احتراما لحجيتها. فضلا عن طبيعتها الكاشفة للفهم القانوني السليم الواجب إعماله وإتباعه والالتزام به احتراما لمبدأ المشروعية وسيادة حكم القانون.
  • أن القانون المصري بحسبانه القانون المقارن الأول للقانون الكويتي أستقر ومنذ زمن بعيد على اعتبار هيئة قضايا الدولة – المماثلة لإدارة الفتوى والتشريع – هيئة قضائية مستقلة.
  • وهذا ما قررته المحكمة الدستورية العليا بمصر في شأن هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية في طلب التفسير رقم (2) لسنة 2006 قضائية تفسير جلسة 7/3/2004.
  • أيضا استقر الفقه والقضاء على أن قسم الفتوى وهو أحد أقسام مجلس الدولة المصري بشطريه سلطة قضائية.

رابعاً : في بيان الآراء الفقهية التي أكدت المساواة بين الجهات الثلاث فيما يتعلق بالمزايا الوظيفية :

تعددت الآراء الفقهية التي أكدت هذا الأمر ولعل أهمها ما يأتي :

أولاً : رأي قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة الكويت بكتابها رقم 4854 والمؤرخ في 24 أكتوبر 1975 والموقع من الرئيس الأعلى للجامعة معالي وزير التربية جاسم المرزوق في شأن مشروع قانون بجدول درجات ومرتبات القضاة وأعضاء النيابة والذي انتهى إلى "قطعية" أن إدارة الفتوى والتشريع طبقا لاختصاصها ولما ورد من نصوص الدستور وما قررته من أحكام واردة بالفصل الخامس من باب السلطة القضائية تعتبر "هيئة قضائية" وأن أعضاء النيابة العامة شأنهم شأن أعضاء الفتوى والتشريع ليسوا قضاة بالمعنى الدقيق ولكنهم ضمن الهيئة القضائية باعتبار إن الهيئة القضائية أوسع معنى من اصطلاح القاضي.

ثانياً : الدراسة القانونية المعدة من الفقيه الدستوري الدكتور / أحمد كمال أبو المجد في شأن الطلب المقدم من "بعض مستشارين الفتوى" حول قرار مجلس الوزراء رقم 216 والصادر بتاريخ 9/3/2009 والمرسوم رقم (41) لسنة 2009 بمنح علاوة قضائية خاصة للقضاة والنيابة دون الفتوى والتي أكد فيها وغني عن البيان أن الدستور الكويتي , بترتب أبوابه وفصول تلك الأبواب , وبصريح نص المادة (170) الواردة ضمن نصوص الفصل الخامس من الباب الرابع الذي ينظم سلطات الدولة , وهو الفصل الذي عنوانه "السلطة القضائية" يدل دلالة تعلو على كل محاولة للتأويل , على أنه اعتبر الهيئات الواردة في هذا الفصل من ذلك الباب هيئات قضائية ... ومن هذه الهيئات بصريح نص المادة (170) الهيئة التي تتولى إبداء الرأي القانون للوزارات والمصالح , كما تقوم بصياغة مشروعات القوانين واللوائح. كما إن المرسوم بقانون رقم 14/77 بشأن مرتبات ودرجات القضاة وأعضاء النيابة العامة وأعضاء الفتوى والتشريع والمصادق عليه من البرلمان الكويتي عام 1981 قد ساوى بين أعضاء تلك الجهات.

في الوظائف والمرتبات معتبراً الفتوى إحدى الهيئات القضائية وفقاً لنصوص الدستور كما هو ثابت بالمذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم ....

فإذا ما أضفنا إلى كل ما تقدم , بإمعان النظر في القانون المقارن , أن وظائف الفصل في المنازعات ذات الطابع الإداري والإفتاء لأجهزة الدولة المختلفة وضبط الصياغة التشريعية هي ذات اختصاصات ووظائف مجلس الدولة في العديد من الدول ومنها على سبيل المثال مجلس الدولة المصري الذي نصت الدساتير المتعاقبة بالقطر المصري على أنه هيئة قضائية مستقلة. ولما كانت إدارة الفتوى والتشريع تقوم بوظيفتين من الوظائف الثلاث الموكولة لمجلس الدولة فهي بلا ريب تتصف بذات الوصف القضائي من حيث طبيعة تلك الأعمال.

ولما كان دور هذه الإدارة في التقاضي عن الدولة يماثل دور هيئة قضايا الدولة في القطر الشقيق "مصر" وهي هيئة قضائية وفقا لقانونها رقم 57 لسنة 1963 وهو ما أكدته مدونات القضاء الدستوري المصري في طلب التفسير رقم 3 لسنة 36 ق.ع وهي في هذه الوظيفة ركن من أركان العدالة باعتبارها خصم شريف تظهر للقاضي وجه الحق في الموضوع من وجهة نظر الدولة.

وترتيباً على ما تقدم يتبين أن إدارة الفتوى والتشريع بما اوكل إليها من مهام ووفقا لنصوص الدستور والقانون وأحكام القضاء وآراء الفقهاء هيئة قضائية مستقلة , مما يرتب نتيجة حتمية هي ضرورة تمتع أعضائها بالاستقلال وهم يمارسون هذه الوظيفة القضائية لا يحكمهم في أدائهم رسالتهم إلا ضميرهم المهني والتطلع لإقرار العدالة الفاعلة.

نقاط هامة متعلقة في هذا الشــأن :

  • هناك فارق عظيم بين مصطلح الهيئة القضائية وبين مصطلح السلطة القضائية فالأول أوسع وأشمل من الثاني.
  • ويطلق مصطلح الهيئة القضائية بالنظر إلى الاختصاص المنوط بهذه الهيئة وفقاً لسند إنشائها ان كان نص دستوري او قانوني وبغض النظر عن تبعيتها التي تلحق سياسياً به.
  • المرسوم الخاص بمرتبات وبدلات أعضاء "السلطة القضائية" بجدول الوظائف والمرتبات الشهرية للقضاة والنيابة والفتوى والصادر بتاريخ 12 شعبان 1401هـ الموافق 14 يونيو 1981م.

اختصاصات الفتوى والتشريع وفقاً لقانون إنشائها رقم 12 لسنة 1960 والصادر قبل الدستور بأربع وظائف أساسية :-

  • صياغة مشروعات القوانين ومراجعة الاقتراحات بقوانين ومشروعات المراسيم واللوائح والقرارات التنفيذية للقوانين 2 م.
  • إبداء الرأي في المسائل التي يستفتيها فيها مجلس الوزراء والوزارات والدوائر والمصالح (3 م وما بعدها).
  • مراجعة كافة عقود الدولة قبل إبرامها إذا ما بلغت النصاب القانوني.
  • الدفاع عن مصالح الخزانة العامة في جميع القضايا التي ترفع أمام المحاكم أو منها في الداخل والخارج (التحكيم والقضايا الخارجية) 8م.